الأحد، 11 يوليو 2021

ما ثبت وما لم يثبت من التكبير في عشر ذي الحجة ويوم العيد وايام التشريق

 ((ما ثبت وما لم يثبت من التكبير في عشر ذي الحجة ويوم العيد وايام التشريق)) :

بسم الله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه :

أولا : شرعية وسنة التكبير في هذه الأيام ، بداية من أول ذي الحجة إلى عصر اليوم الثالث عشر من ذي الحجة وهو آخر أيام التشريق والنحر .

١_ فأما المشروعية : فقد قال الله تعالى : ( وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ لِمَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) ، وجاء في تفسير هذه الآية من تفسير ابن كثير :

( قال ابن عباس : " الأيام المعدودات " أيام التشريق ، و " الأيام المعلومات " أيام العشر . وقال عكرمة : ( واذكروا الله في أيام معدودات ) يعني : التكبير أيام التشريق بعد الصلوات المكتوبات : الله أكبر ، الله أكبر .) [تفسير ابن كثير] .

وقد روى البخاري والترمذي واللفظ له عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، فقالوا: يارسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) .

وروى أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) . 

٢_ وأما الصفة زمانا ومكانا : ففي صحيح البخاري عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما: (أنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما) .

٣_ وأما صيغ التكبير فكثيرة وفيها سعة لورودها جميعا عن الصحابة كتكبير ابن عباس رضي الله عنهما وهو : (الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا الله أكبر وأجل الله أكبر ولله الحمد) [رواه ابن أبي شيبة وصححه الألباني في الإرواء] ، وكتكبير ابن مسعود رضى الله عنه وهو : (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله اكبر ولله الحمد) [رواه ابن أبي شيبة وصححه الألباني في الإرواء] ، وكتكبير سلمان الفارسي رضي الله عنه وهو في قوله : (كبّروا الله : الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرًا) [أخرجه البيهقي من طريق عبد الرزاق الصنعاني وصححه ابن حجر في الفتح] .

ثانيا : هناك صيغ للتكبير يفعلها الناس ويزيدون عليها ، وهي لم تثبت عن فعل السلف في هذه الأيام ، وما ثبت منها فليس متعلقا بالعيدين ولا بالعشر ولا بالتشريق ، ومنها :

١_ التكبير الخاص بالصعود على الصفا : الذي رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : ((( ... فلما دنا من الصفا قرأ: "إِنَّ الصَّفَا وَالـْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ"(أبدأ بما بدأ الله به) فبدأ بالصفا، فرقي عليه، حتى رأى البيت فاستقبل القبلة، فَوَحَّدَ الله، وَكَبَّرهُ، وقال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرات ... )) [رواه مسلم] .

تنبيه أول : هذا التكبير خاص بالصعود على الصفا ومناسك الحج والعمرة وليس من صيغ التكبير في العيدين وعشر ذي الحجة ، فتنبه!!

٢_ التكبير الخاص باستفتاح الصلاة بعد تكبيرة الإحرام : الذي رواه مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : (( بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال رجل في القوم : الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من القائل كلمة كذا وكذا ) ، قال رجل من القوم : أنا يا رسول الله ، قال : (عجبت لها فتحت لها أبواب السماء) ، قال ابن عمر : فما تركتهن منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك )) [رواه مسلم] .

تنبيه ثان : هذا التكبير خاص بالاستفتاح في الصلاة وليس من صيغ التكبير في العيدين وعشر ذي الحجة ، فتنبه!! 

وقد اجتهد بعض أهل العلم كالشافعي رحمه الله ومن أخذ بقوله كابن باز رحمه الله من المعاصرين وهو مروي عن الامام الشافعي من غير واحد كالبيهقي والنووي وابن حجر وغيرهم رحمهم الله جميعا ، وذلك أن الشافعي ومن رأى رأيه يرون أنها تدخل في عموم النص على التكبير والتهليل والتحميد ، وكلها واردة في هذه الصيغة الثابتة في دعاء الاستفتاح للصلاة الثابت في السنة ، فقدموها على ما سواها من هذا الوجه ، ولأنها كذلك غير منافية للثابت أو المشروع في هذه الأيام ، وهذا القول هو أوجه ما قيل ، وإن كانت النفس تطمئن للاكتفاء بما ثبت من آثار الصحابة المباشرة في صيغ التكبير ، ولكن لا أنكر على من فعل غيرها ولم يخرج عن عموم ما يحتمله النص الشرعي .

وأما زيادة الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في آخر التكبير فقد أنكره جماعة من المحققين من اهل العلم لكونه ليس داخلا في عموم الوارد من النصوص وما أثر عن الصحابة رضوان الله عليهم ، فلا يجوز إدخاله أو اعتقاد سنيته في صيغ التكبير على الصحيح . 

٣_ هناك صيغ كثيرة لم تثبت زادها الناس أو هي خاصة بازمنة وأمكنة أخرى ولكن الناس عمموها فوقعوا في البدعة في الأذكار ، ولذلك قال الحافظ ابن حجر رحمه الله كما في فتح الباري : ( وقد أُحْدِث في هذا الزمانِ زيادةٌ في ذلك لا أصلَ لها ) .

٤_ التكبير الجماعي المقصود بهذه الطريقة الواقعة الآن في التكبير المقيد دبر الصلوات المكتوبة والذي يبدأ من فجر يوم عرفة أي من فجر اليوم التاسع من ذي الحجة ويمتد إلى اليوم الثالث عشر من ذي الحجة ، فالتكبير الجماعي المتقصد بعد الصلوات بدعة ، والسنة أن يكبر كل رجل لنفسه برفع الصوت .

٥_ نصيحة ختامية : فعلى المسلم أن يكون متجردا للحق مبتعدا عن كل ما يشوب عبادته وإيمانه من أنواع الشرك والبدع والمعاصي ، حتى يصون دينه ولا يجعله عرضة للنقص أو إحباط العمل والعياذ بالله ، لأن الله يقبل من العمل أخلصه واصوبه ، أي ما توفر فيه شرطا الإخلاص لله ومتابعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم على فهم سلف الأمة الصالح وعلى رأسهم صحابته الكرام رضي الله عنهم جميعا وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وذلك عملا بوصية الله ورسوله باتباع آثارهم والاقتداء بهم وعدم مخالفة سبيلهم مثل قوله تعالى : (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) ، وقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي رواه عنه الصحابي الجليل وخال المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما : ( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي ) [رواه الترمذي وصححه غير واحد منهم ابن تيمية والالباني] ، وفي الحديث الصحيح عن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته ..) [رواه البخاري في صحيحه] .

*)) وعلى المسلم أن يعلم أن الذنوب تتعاظم آثامها في هذه الشهور المحرمة ، فابتعدوا واجتنبوا المعاصي صغيرها وكبيرها واحترزوا منها أكثر ما يمكنكم من الاحتراز ، وليس معناه أن المعاصي في غيرها لا نحاسب عليها بل الذنوب دائما عظيمة وتعظم أكثر في الأشهر والأيام المحرمة والمعظمة . 

**)) وأن يعلم أن الله ورسوله أطلقا الأعمال الصالحة في هذه الأيام ولم يقيداها ولم يخصاها بعمل معين فلا يجوز لأحد أن يدعي تخصيصها بعبادة دون أخرى ، وما ورد من تخصيص فيها فكان ذكر الله من التهليل والتكبير والتحميد وهو ما ثبت عن السلف واشتهر ، وورد الصيام ليوم عرفة ، وهذا كله لغير الحجاج ، وأما حجاج بيت الله الحرام فلهم أحكامهم المتعلقة بالحج .

***)) وقد اجتهد بعض العلماء في توجيه الناس إلى بعض العبادات وأيها أولى وأفضل في هذه الأيام فذكروا الصيام لأنه باب من أبواب الصبر الذي اذخر الله سبحانه أجره عنده للصائم وعظم ثوابه ، وكما ذكروا القيام وقراءة القرآن وغير ذلك من أبواب الطاعات ، وصنيعهم هذا داخل في حسن التوچيه والتذكير وليس من باب التخصيص والتقييد لما أطلقه الشرع ! حاشا وكلا أن يكون هذا من شيم علمائنا فهم لا يتقدمون بين يدي الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولا يقولون على الله ورسوله بلا علم ، ولا يدعون كما يدعيه البعض من أفضلية صيامها جميعا أو تكلُّف ختم القرآن فيها ، بل كل ميسر لما يسره الله عليه من عبادات ، إضافة إلى ما قيده الشرع من التهليل والتكبير وصيام عرفة . ****)) وأما الأثر المروي عن أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما والذي خرجه النسائي وأبو داود وغيرهما وصححه غير واحد من أهل العلم ، وقد حاول بعض أهل العلم الجمع بينه وبين حديث أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما في صحيح مسلم من أنه : (لم يصم العشر قط) ، مع أن بعض أهل العلم حكم باضطراب حديث حفصة على أساس أن حديث عائشة أصح منه لأنه مخرج في مسلم وكذلك أن عائشة كان يبيت عندها النبي صلى الله عليه وآله وسلم يومين وليلتين من كل تسعة أيام وهذا يعم عشر ذي الحجة لأنها أخذت يوم سودة رضي الله عنها حين تنازلت عن يومها لعائشة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومع ذلك لم تره قط يصوم عشر ذي الحجة .

وحتى على فرض أن حديث حفصة غير مضطرب وأن حفصة رضي الله عنها قد شهدت صيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم للتسع وفي رواية للعشر _وهو اضطراب كذلك بين اللفظين ولا يقبل حمله على صيام صبيحة العيد بأنه هو العاشر_ وأنها علمت ما خفي على عائشة أو حفظت ما نسيته عائشة ، فمع ذلك كله ، يبقى الحض على العمل في هذه الأيام من الله ورسوله مطلقا غير مقيد بعمل ، وأن الصيام من جنس العمل الصالح الذي قد ينشط له أناس ويعجز عنه آخرون لتعب أو مرض أو الاشتغال بما فيه حرج أو مشقة عن الصيام أو سفر أو غيرها من الأسباب _والتي قيل أن بعضها منع النبي عن صيام العشر في أيام عائشة بسببها مع صيامه في أيام غيرها من أزواجه .

وعلى كل حال فيبقى الأمر بالعمل الصالح مطلقا والنبي لو رأى الصيام أفضل فيها وخاصية من خاصيات هذه الأيام لأمر به كما أمر به في عرفة وغيره ، فيبقى فعله خاصا به وليس تقييدا لمطلق العمل الصالح فيهن ، ويخص أيضا من رأى صحة أثر حفصة وأحب أن يقتدي به على غير التأكيد والتقييد ، وأما من اجتهد من العلماء وقالوا بالأفضلية فهذا منهم اجتهاد رحمهم الله وغيرهم لهم اجتهاد والأصل عدم التقييد .

*****)) ومن غريب ما رأيت من فعل المبتدعة والمتعالمين وضع جداول وسبورات فيها تقسيم انواع القربات على عدد ايام العشر من ذي الحجة فحجروا على الناس وعلى أنفسهم واسعا وسعه شرعنا ، فكم من شخص ينشط لنوع من القربات ويقصر عن نوع آخر ، وكذلك لو سلمنا لهم بجدولهم فإننا نرى فيه إغفالا لقربات عظيمة كذلك في الإسلام لم يوردوها في جدولهم كقربات : صلة الرحم وبر الوالدين والإحسان إلى الزوجة والأولاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإعانة الخلق بالمعروف وإغاثة الملهوف والشفاعة الحسنة بين الناس وتعليم العلم النافع واستحضار أو تصحيح النية في أنواع  الأعمال اليومية المشروعة من تعبدية ومباحة و ... وغيرها من صنوف الطاعات والقربات ، وهذا القصور والنقص في جدول هؤلاء المتعالمين لو دل على شيء فدليل على أن البدعة تفتح باب الشر والتقصير ولا أصلح لها مثل قول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم : (كل بدعة ضلالة) ، وقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : (وكم من مريد للخير لا يدركه) .

والله أعلى واعلم .


ولمزيد من الفائدة هذه الروابط :

https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=596333781268118&id=100026745030855

و

https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=594518508116312&id=100026745030855

و

https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=597000131201483&id=100026745030855

و

https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=593702468197916&id=100026745030855

و

https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=557871465114350&id=100026745030855

و

https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=513368332897997&id=100026745030855


والحمد لله رب العالمين .

أبو عائشة بلال يونسي السكيكدي

ليلة الثاني من ذي الحجة ١٤٤١ هـ

الموافق ليلة الخميس ٢٣ جويلية ٢٠٢٠ م 

مجموعة المدارسات العلمية

الرابط



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق