(مسائل هامة في حكم وصفة صلاة العيد في البيت بسبب جائحة كورونا) :
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد ،
فقبل الشروع في بيان هذه المسائل لزم أن أترجم ببعض الأحاديث في الباب وهي :
أولا : ( كان أنس إذا فاتته صلاة العيد مع الإمام ، جمع أهله فصلى بهم مثل صلاة الإمام في العيد) وسيأتي تخريجه .
ثانيا : (كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يرفعُ يديهِ مع كلِّ تكبيرةٍ في الصلاةِ المكتوبةِ)؛[صحيح ابن ماجه للألباني].
ثالثا : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت هنية قبل أن يقرأ، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد)[رواية مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه] .
وعند مسلم أيضا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك ) .
وفي الحديث الي صححه الالباني رحمه الله عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك) [رواه أبو داود رحمه الله وغيره] .
رابعا : (عن عائشة رضي الله عنها أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يُكبِّرُ في الفِطرِ والأَضحى: في الأُولى سَبعَ تكبيراتٍ، وفي الثانيةِ خمسًا ، سوى تكبيرتَيِ الرُّكوع)،[صححه الالباني رحمه الله] .
خامسا: عُن عمَرَ بنَ الخَطاب رضي الله تعالى عنهِ أنه سَأَلَ أَبا واقِدٍ اللَّيْثِي رضي الله تعالى عنه: «ما كانَ يَقْرَأُ به رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الأضْحى والْفِطْرِ؟ فَقالَ: كانَ يَقْرَأُ فِيهِما بـ ﴿ ق والْقُرْآنِ المَجِيدِ ﴾، وَ﴿ اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وانْشَقَّ القَمَرُ ﴾ )،[ صحيح مسلم] .
وعند مسلم رحمه الله أيضا من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: (كانَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ في العِيدَيْنِ، وفي الجُمُعَةِ بسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلى، وَهلْ أَتاكَ حَديثُ الغاشِيَةِ، قالَ: وإذا اجْتَمع العِيدُ والْجُمُعَةُ في يَومٍ واحِدٍ، يَقْرَأُ بهِما أَيْضًا في الصَّلاتَيْن) .
سادسا : في صحيح البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (شَهِدْتُ الصَّلاةَ يَومَ الفِطْرِ مع رَسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأَبِي بَكْرٍ، وعُمَرَ، وعُثْمانَ فَكُلُّهُمْ يُصَلِّيها قَبْلَ الخُطْبَةِ، ثُمَّ يَخْطُبُ بَعْدُ) .
سابعا :نقل الامام البخاري رحمه الله عن ابن عمر رضي الله عنهما تحت باب [في العيدين والتجمل فيهما] أنه قَالَ : (أَخَذَ عُمَرُ رضي الله عنه جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ فَأَخَذَهَا فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالْوُفُودِ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ" .) .
ونخلص من مجموع هذه الآثار إلى أن صلاة العيد لمن لم يتمكن من أدائها في المصلى بسبب تعطيل ولي الأمر لها تفاديا لتفشي الوباء فإنه يقيمها في بيته كالآتي :
**)) أولا يستحب التجمل والتزين ليوم العيد سواء خرجت للصلاة او بقيت في بيتك لعذر ، قال الامام ابن رجب رحمه الله في شرحه على صحيح البخاري المسمى فتح الباري _وهو غير شرح ابن حجر رحمه الله_ : (وخرج البيهقي بإسناد صحيح عن نافع أن ابن عمر كان يلبس في العيدين أحسن ثيابه ... وهذا التزين في العيد يستوي فيه الخارج إلى الصلاة، والجالس في بيته ، حتى النساء ، والأطفال) .
وقال العلامة الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار : (ووجه الاستدلال بهذا الحديث _أي حديث ابن عمر رضي الله عنهما في النقطة السابعة_ على مشروعية التجمل للعيد : تقريره صلى الله عليه وسلم لعمر على أصل التجمل للعيد ، وقصر الإنكار على من لبس مثل تلك الحلة لكونها كانت حريراً) .
**)) وأما النساء فيحرم عليهن التزين خارج بيوتهن مع غير محارمهن سواء في الصلاة أو في غيرها لورود النهي عن ذلك .
1_تكبيرة الاحرام في الركعة الاولى .
2_ ثم التكبير سبع تكبيرات بعد تكبيرة الاحرام ، ويرفع يديه مع كل تكبيرة ينطقها ، ثم يأتي بدعاء الاستفتاح .
3_ ثم يقرأ الفاتحة بعد التكبيرات
4_ ثم يستحب له أن يقرأ إما سورة (ق) أو يقرأ سورة (الأعلى) لمن يحفظ إحداهما ، ولا يقرأهما معا في نفس الركعة ، ويجوز له قراءة غيرهما مما يتيسر من القرآن بعد الفاتحة .
5_ ثم يركع ويرفع من الركوع ويسجد ويجلس بين السجدتين ثم يسجد ، كما يفعل في جميع صلواته .
6_ ثم يكبر ويقوم الركعة الثانية .
7_ ثم يكبر خمس تكبيرات بعد تكبيرة القيام الركعة الثانية .
8_ ثم يستحب له أن يقرأ بعد التكبيرات إما سورة (القمر) أو يقرأ سورة الغاشية لمن يحفظ إحداهما ، ولا يقرأهما معا في نفس الركعة ، ويجوز له قراءة غيرهما مما يتيسر من القرآن بعد الفاتحة .
تنبيه بشأن عدد التكبيرات في الصلاة : فما أعتقده وارتاح إليه القلب هو ما اختاره العلامة العثيمين رحمه الله في الشرح الممتع وهو المروي عن الامام أحمد رحمه كما نقل ذلك ابن مفلح في الفروع أنه يجوز التكبير بأي عدد من التكبيرات الواردة عن الصحابة سواء ثلاثة ثلاثة بلا تكبيرتي الاحرام والانتقال وهو مذهب الحنفية ، أو ستة خمسة بلا تكبيرتي الاحرام والانتقال وهو مذهب الملكية والحنابلة وهو اختيار شيخ الاسلام وتلميذه رحمهما الله ، أو سبعة خمسة بلا تكبيرتي الاحرام والانتقال وهو مذهب الشافعية وابن حزم الظاهري واختيار ابن عبد البر رحمه الله من المالكية ، وإن كان القلب يميل القول الأخير لأنه يجمع كل ما سبق ويستوفيها وهو أحوط والله أعلم .
9_ ثم يركع ويرفع من الركوع ويسجد ويجلس بين السجدتين ثم يسجد ، كما يفعل في جميع صلواته .
10 _ ثم يجلس للتشهد ويقول فيه ما يقوله في التشهد الأخير من صلاته المعتادة ، ثم يسلم ، وتنتهي الصلاة .
11_ ثم يخير بين إقامة الخطبة او عدم إقامتها بعد الصلاة بشرط ان يكون قد صلى العيد في جماعة مع أهله او مع من يأمن معهم المفسدة والفتنة كما سبق تفصيله ، فإن صلاها منفردا فلا تشرع له الخطبة بعد صلاة العيد ، وهو ما ذكره صاحب مغني المحتاج من الشافعية .
(مسائل فوائد) :
12_ قضاء صلاة العيد في هذه الصورة عند من يراها فرض عين أنها لا تسقط بل يجب أداؤها في البيوت ويخير في الخطبة بعدها إذا صلاها في جماعة وذلك لاستدلالهم على وجوبها بحديث أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بشهودها لكل قادر على ذلك حتى من ذوات الخدور والحيض ، ولحديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان يؤديها مع جماعته لأنه كان يسكن بعيدا عن المصر (والمصر مفرد أمصار وهي المدينة الكبيرة الجامعة التي تقام فيها صلاة العيد مع إمام المسلمين او من ينيبه) ، وقد نص بعض اهل العلم أن فعله يعد أداء ولا يعد قضاء ولذلك وجب وجاز فعلها على صورة صلاة العيد في المصلى مع جماعة المسلمين وامامهم ، بل رجح بعضهم كاحمد بن حنبل رحمه الله الرخصة في جواز ان يقيمها في المصلى لمن فاتته على هذه الصورة .
13_ هناك فائدة في سقوط فرض الكفاية او عدم سقوطه تستنبط من إقامة أنس بن مالك رضي الله عنه لصلاة العيد بسبب بعدها عن المصر الذي تقام فيه الصلاة ، فلو أنها كانت فرض كفاية فمعناها ان فرض الكفاية لا يسقط عن جميع الأمصار او عن القرى البعيدة بقيام مصر معين بها ، بل كل مصر له فرض كفاية ، وهذا القول فيه مشقة ومخالف للمعهود في فروض الكفايات بسقوطه عن البقية بقيام البعض به وقدرتهم عليه مثل صلاة الجنازة وان من صلاها مع قيامها في مكان الموت مثلا او عند من وجبت عليهم ابتداء يعد إعادتها في مكان آخر بدعة على الصحيح من أقوال المحققين من علماء السنة ، وهذا الوجه يرد على من قال بأنها فرض كفاية ، لان فرض الكفاية يسقط به الوجوب والاستحباب عن البقية على ما رجحه محققوا اهل السنة ، وبهذا يترجح أنها فرض عين وليست فرض كفاية .
14 _ هناك فائدة في أن ما ثبت عن الصحابة كعلي رضي الله عنه وغيره من امرهم بادائها لمن فاتته بان يصليها اربعا على ان هناك فرقا بين صفتها لمن أداها وصفتها لمن قضاها كما جاء في حديث أنس رضي الله عنه السابق وهو الأداء ، وبين من يقضيها ممن يسكن في نفس المصر الذي تؤدى فيه او قريبا منه كأثر علي وابن مسعود رضي الله عنهما _مع التنبيه على ان من علماء الحديث من ضعف طرق هذين الأثرين وقد جاء التوجيه هنا على فرض صحتهما جمعا بين ماورد في الباب من آثار عن الصحابة رضوان الله عليهم _ وان صلاتها على هذا الوجه له حكم قضاء السنن والنوافل الفوائت وله أصل في السنة كقضاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لسنة الفجر ، وبهذا نعلم الفرق بين ادائها ويكون لأصحاب الأعذار وبين قضائها ، ولكن الصحيح انه لا فرق بين أدائها وقضائها لأنها واجبة على كل مكلف بعينه فتقام لمن لم يشهدها مع إمام المسلمين او من ينيبه ركعتين بلا خطبة للمنفرد ويخير من صلوها في جماعة في إقامة الخطبة ، وذلك لضعف الآثار الوردة في قضائها أربع ركعات وعدم نهوضها لمعارضة أثر انس بن مالك رضي الله عنه في أدائها ركعتين ، وقد ذهب بعض اهل العلم إلى أن من تركها من اهل الامصار بلا عذر فلا قضاء عليه لأنها عبادة مؤقتة ومرتبطة بجماعة المسلمين وإمامهم فمن تركها بلا عذر فلا يقضيها مثل عموم الصلوات المفروضة وعليه التوبة إلى الله لأنها فرض عين لها وقت وصفة لا يجوز إخراجها عنها بغير عذر ، وهو الصحيح الذي أعتقده .
15 _ وتلخيصا لما سبق من الأدلة في إثبات صحة التفريق بين قضاء من فاتته الصلاة من أهل الأمصار ، وأداء من فاتته لمانع عن أدائها كأهل القرى البعيدة الصغيرة ويلحق بهم المسافرون والمرضى والنساء ، وأن وجوب قضاء صلاة العيد لأصحاب الأعذار على الذي أفتى به كثير من أئمة العلم هو ما ثبت عن بعض الصحابة كالأثر الذي ذكره البخاري رحمه الله في باب (إِذَا فَاتَهُ الْعِيدُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْن) ، وابن أبي شيبة رحمه الله في المصنف ، عَنْ أَنَسٍ بن مالك رضي الله عنه، أَنَّهُ كَانَ إذَا لَمْ يَشْهَدْ الْعِيدَ مَعَ الْإِمَامِ بِالْبَصْرَةِ جَمَعَ أَهْلَهُ وَمَوَالِيهِ، ثُمَّ قَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عُتْبَةَ مَوْلَاهُ فَيُصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، يُكَبِّرُ فِيهِمَا ) ، وفي فتح الباري لابن حجر رحمه الله مع صحيح البخاري : ( قول البخاري رحمه الله : [باب إِذَا فَاتَهُ الْعِيدُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ وَمَنْ كَانَ فِي الْبُيُوتِ وَالْقُرَى لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (هَذَا عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ) وَأَمَرَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ مَوْلَاهُمْ ابْنَ أَبِي عُتْبَةَ بِالزَّاوِيَةِ فَجَمَعَ أَهْلَهُ وَبَنِيهِ وَصَلَّى كَصَلَاةِ أَهْلِ الْمِصْرِ وَتَكْبِيرِهِمْ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَهْلُ السَّوَادِ يَجْتَمِعُونَ فِي الْعِيدِ يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ كَمَا يَصْنَعُ الْإِمَامُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا فَاتَهُ الْعِيدُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ] ، ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : [أثر أنس المذكور قد وصله ابن أبي شيبة في المصنف، وقولـه “الزاوية” اسم موضع بالقرب من البصرة كان به لأنس قصرٌ وأرضٌ وكان يقيم هناك كثيراً.
وقول عكرمة وعطاء وصلهما ابن أبي شيبة أيضاً] ) انتهى من فتح الباري ، وكذلك عملا بالحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم رحمهما الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) وللقاعدة الفقهية الشرعية أن الميسور لا يسقط بالمعسور وأنا ما عجزنا عن بعضه لا يجيز لنا ترك جميعها في باب الواجبات والفرائض ، وأما أثر علي رضي الله عنه : ( إن أمرت رجلا أن يصلي بضعفة الناس، أمرته أن يصلي أربعا ) وأثر ابن مسعود رضي الله عنه : ( من فاته العيد فليصل أربعا، ومن فاتته الجمعة فليصل أربعا ) ، وهذان الأثران على فرض صحتهما يحملان على ان الصحابيان الجليلان قاسا صلاة العيد على صلاة الجمعة لأنها تؤدى اربعا لمن فاتته على أن الخطبة عند بعض أهل العلم في الجمعة تقابل ركعتين وكذلك هنا في صلاة العيد ، وعلى هذا التوجيه تبقى صلاة العيد واجبة فرض عين ، أو على أساس أنه قضاء لمن تركها من أهل الأمصار ولهم عذر لضعفهم او مرضهم فيجب عليهم قضاؤها وهذا وجه القضاء لأصحاب الأعذار من أهل الأمصار ، وأنا من ليس لهم عذر فيقضونها كذلك مع الإثم مالم يخرج وقتها وهو وقت الزوال أي قبل دخول وقت الظهر ، وذلك لإجماع الصحابة على أن من أخر الصلاة عن وقتها بلا عذر فلا قضاء عليه بل تجب عليه التوبة ، ومن أخرها لعذر كنوم او نسيان فعله قضاؤها حين يذكرها ، ومن ترك صلاة الجماعة فيقضيها في وقتها مع الإثم على ترك الجماعة عند من يقول بوجوب صلاة الجماعة .
و الخلاصة :
_ أن صلاة العيد فريضة كغيرها من الفرائض تصلى مع جماعة المسلمين ومن تأخر عنها وجب عليه قضاؤها.
_ وصفة صلاتها لمن يقضيها ركعتان لما ثبت من فعل أنس بن مالك رضي الله عنه .
_ وأما ماروي عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما فهو ضعيف سندا للانقطاع ومتنا لمعارضته ما هو أصبح منه مع عدم إمكانية الجمع ، وإن صح فيحمل على أنه اجتهاد من هذين الصحابيين الجليلان رضي الله عنه ما قياسا على صلاة الجمعة ، والقياس هنا مع الفارق لأن خطبة الجمعة واجب الاستماع إليها وأما خطبة العيد فلا تجب ، وكذلك لمخالفة الأثر المروي عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما لما هو أصح منها وهو أثر انس ، وأيضا ماورد في صلاة الجمعة أربع ركعات لمن فاتته في المسجد حكمه حكم الإجماع الضمني بين الصحابة لما ثبت عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( إذا صليتن يوم الجمعة مع الإمام فصلين بصلاته ، وإذا صليتن في بيوتكن فصلين أربعاً ) والمخرج عند ابن أبي شيبة رحمه الله في المصنف وعند غيره ولم يثبت له مختلف من بقية الصحابة بل نشهد آثار الصحابة على مشروعية ذلك كالأثر المروي عن الزبير رضي الله عنه من أنه صلى الجمعة أربعا ومن معه عندما خرجوا مخرجا ولم يشهدوا الجمعة مع الناس ، قال للألباني رحمه الله في الاجوبة النافعة : ( ولعل استدلال المؤلف بحديث ابن مسعود مع أنه موقوف إنما هو بسبب أنه لا يعرف له مخالف من الصحابة ، وهو مؤيد بمفهوم حديث أبي هريرة: ( من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة ) ويشهد له ما في "المصنف" (1/206/1) بسند صحيح عن عبد الرحمن بن أبي ذؤيب قال : خرجت مع الزبير مخرجاً يوم الجمعة فصلى الجمعة أربعاً ) . انتهى كلامه رحمه الله معلقا على كلام صديق حسن خان القنوجي رحمه الله ، فنلاحظ أن صلاة الجمعة أربعا لمن فاتته لم يثبت فيها خلاف بين الصحابة على غرار من فاتته صلاة العيد فقد ثبت فيها الخلاف سندا ومتنا فسقط الاستدلال يكون صلاة العيد تصلى أربعا لمن فاتته .
_ خطبة العيد مستحبة وغير واجبة ويخير من قضاها في جماعة لعذر بين إقامتها او عدمه ، وأما من لا عذر له فيكتفي بقضاء الصلاة ركعتين فقط .
وأنا لو ذكرت التفصيل حسب الخلاف الفقهي والحديثي فالخلاصة تكون :
_ من استدل بأثر أنس رضي الله عنه وضعف مايخالفه يرى بأن صلاة العيد تقضى مطلقا ركعتان بلا خطبة لعدم ورود نص صريح في إقامة الخطبة ولأن الخطبة خاصة بالمصلى وبإمام المسلمين ومن ينيبه ، وذهب بعض الشافعية إلى استحباب الخطبة في القضاء اختيارا وتبعهم عليه بعض أهل العلم بناء على ان فعل أنس يحتمل إقامة خطبة العيد لورود لفظ ( وصلى كصلاة أهل المصر وتكبيرهم ) وصلاة أهل المصر الجامع فيها خطبة فكذلك القضاء لغير أهل الأمصار ويسمى أداء .
_ ومن صحح واستدل جمعا بين أثري علي وابن مسعود رضي الله عنهما وأثر أنس بن مالك رضي الله عنه ، فيحملون أثر أنس على من لهم عذر من غير أهل المصر من سكان القرى الصغيرة التي لا تقام فيها صلاة العيد فحكمها أنها أداء لا قضاء ، ويحملون أثر علي وابن مسعود رضي الله عنهما على من لهم عذر او ليس لهم عذر من سكان الأمصار الجامعة فيقضونها أربعا وهي قضاء لا أداء .
ملاحظة وتنبيه : هناك فرق بين القضاء والأداء للفوائت ، فالقضاء يكون بعد خروج وقت الصلاة ، وأما الأداء فيكون في وقتها ، وهنا في هذه المسألة هناك من عد صلاة العيد في غير المصلى قضاء مع أن وقتها لم يخرج من باب أن وقتها متعلق بأدائها مع جماعة المسلمين وإمامهم فمن تركها لغير عذر أو لعذر مع جماعة المسلمين في المصلى من أهل المصر الجامع فيعد قضاء ، ومن تركها لعذر من غير أهل المصر الجامع فتعد أداء لتعذر إقامتها مع جماعة المسلمين وإمامهم ، وكذلك هناك من عدها قضاء مطلقا في الحالين الارتباط ادائها بجماعة المصلى في المصر الجامع ، وهناك من عدها أداء مطلقا لعدم خروج وقتها سواء تركها لعذر او لغير عذر وسواء كانت واجبة عينا او كفاية أو مستحبة ، وهناك من يرى سقوطها مطلقا لمن لم يصلها مع جماعة المصلى في المصر الجامع وهكذا ...
_ وأختم بهذه اللطيفة ، بأني وقفت على قولين للعلامة الالباني رحمه الله في هذه المسألة وهذا دليل على تجدد الاجتهاد لدى أئمة الإسلام تبعا لما يبلغهم من أداة وما يقفون عليه من صحتها او ضعفها ومن كلام الفقهاء فيها ، فله في مواضع ينكر قضاءها اربعا ويوجب قضاءها ركعتين فقط وينفي مطلقا وجود دليل على قضائها أربعا ، وفي مواضع يوجب قضاء صلاة العيد أربعا للمنفرد وركعتان للجماعة وينسب الخلاف في ذلك إلى ما نقل عن السلف بدء من الصحابة رضوان الله عليهم ، ومن ذلك قوله رحمه الله في سلسلة الفتاوى المعنونة بفتاوى عبر الهاتف و السيارة : (والآثار التي وردت في هذا الموضوع عن السلف الصالح مختلفة أشد الاختلاف ، فمنها ما يقول : بصلاة ركعتين ، ومنها ما يقول : بصلاة أربع ، منها ما يقول : بصلاتها منفردا ، منها ما يقول : بصلاتها جماعة ، ولا شك أن المسألة من حيث الفعل لا يمكن دائما لمن فاتته أن يصليها جماعة ، فعلى ما يتيسر إذًا ، فإن تيسر له جماعة كما سأل السائل أن هناك جماعة فاتتهم فيصلونها جماعة ، وإن لم يتيسر الجماعة فيصلونها انفرادا ، فالفرق بين الجماعة وبين الانفراد هو بين ركعتين وبين أربعة ، الأربعة للمنفرد وركعتان للجماعة) .
وقد نقل غير واحد عن شيخنا فركوس أنك نخير بين الخطبة وعدمها مع صلاة ركعتين فقط .
وما يفتي به أكثر علمائنا المعاصرين هو صلاة ركعتين دون خطبة تبعا لقول الجمهور .
وعلى كل فالأمر فيه سعة بالنسبة للمقلد والعامي مع التجرد عن الزهور والعصبية وبلا اتباع للظنون بل مع وجوب تحري الصواب واقتفاء أقرب الأقوال إلى الحق وأكثرها موافقة للآثار الصحيحة الثابتة عن سلفنا الصالح ، وأما المتبع وطالب العلم فيلزمه تحري الدليل والحجة ولا يجوز له التقليد لأن التقليد لا يسمى علما .
قال الشاطبي رحمه الله في الموافقات : (فكما أن المجتهد لا يجوز في حقه اتباع الدليلين معا ولا اتباع أحدهما من غير اجتهاد ولا ترجيح ، كذلك لا يجوز للعامي اتباع المفتيين معا ولا أحدهما من غير اجتهاد ولا ترجيح... ومتى خيرنا المقلدين في مذاهب الأئمة لينتقوا منها أطيبها عندهم لم يبق لهم مرجع إلا اتباع الشهوات في الاختيار ، وهذا مناقض لمقصد وضع الشريعة) .
وقال الخطيب البغدادي رحمه الله في الفقيه والمتفقه : (فإن قال قائل : فكيف في المستفتي من العامة إذا أفتاه الرجلان واختلفا ، فهل له التقليد ؟ قيل : إن كان العامي يتسع عقله ، ويكمل فهمه إذا عقل أن يعقل ، وإذا فهم أن يفهم ، فعليه أن يسأل المختلفين عن مذاهبهم ، وعن حججهم فيأخذ بأرجحها عنده ، فإن كان له عقل يقصر عن هذا ، وفهمه لا يكمل له ، وسعه التقليد لأفضلهما عنده) .
ملحق : (وفيه مسائل) :
الأولى : (في حكم حضور صلاة العيد ، وحكم حضور خطبة العيد) :
الذي أعتقده في حكم صلاة العيد أنها واجبة لما روته أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَتْ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ وَالأَضْحَى الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلاةَ وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِحْدَانَا لا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ، قَالَ: لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا) [صحيح مسلم|.
وأما خطبة العيد فحضورها مستحب وغير واجب ولكن من الأدب الواجب حضورها لمن لا شغل لديه عن عبد الله بن السائب عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إنّا نخطب، فمن أحبّ أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحبّ أن يذهب فليذهب) [صحيح أبي داود للألباني رحمهما الله] .
الثانية : (في مشروعية صلاة العيد وتحريم الاقتداء بالكفار في العبادات والأعياد مطلقا) :
عن أنسٍ بن مالك رضي الله عنه قالَ : قدمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ المدينةَ ولَهم يومانِ يلعبونَ فيهما فقالَ ما هذانِ اليومانِ قالوا كنَّا نلعبُ فيهما في الجاهليَّةِ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إنَّ اللَّهَ قد أبدلَكم بِهما خيرًا منهما يومَ الأضحى ويومَ الفطرِ) [صحيح أبي داود للألباني رحمهما الله]
الثالثة : (في وقت التكبير وصفته) :
إن بدء التكبير من غروب شمس آخر يوم من شهر رمضان المبارة ، وهو : (الله أكبر،الله أكبر،لا إله إلا الله،الله أكبر،الله أكبر،ولله الحمد [انظر ابن أبي شيبة في المصنف ؛ وغيره] ، وينتهي وقت التكبير ببدء صلاة العيد ، ومادامت لاتوجد جماعة فإن وقتها ينود إلى زوال الشمس ، وهو نفسه آخر وقت صلاة العيد لمن أخر صلاتها بشرط أن يصليها قبل دخول وقت الظهر .
الرابعة : (في عدد التكبيرات في يوم العيد وليلته ) :
والتكبير يصح بتكرار (الله اكبر) مرتين ويصح بالتثليث ، وهو مروي عن ابن مسعود رضي الله عنه وغيره كما في مصنف ابن ابي شيبة رحمه الله وغيره ، وتشرع أي صيغة للتكبير لعموم الأمر القرآني : (وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) ، وهو الظاهر من فعل السلف الصالح والذي ارتضاه أئمة المذاهب كمالك والشافعي وأحمد رحمهم الله ، وأما لفظ (الله اكبر كبيرا و الحمد لله كثيرا ...) إلى آخر ما يقال في أيام العيد بعد التكبير الثابت ، فقد استحسنه غير واحد من أئمة الفقه، والاولى الالتزام بماثبت عن الصحابة وهو التكبير ولموافقته لظاهر الآية ، ومن زاد من الذكرى غير التكبير فلا أعلم نهيا ولتلقي الأئمة والأمة لذلك بالقبول فهو مشروع أيضا .
الخامسة : (في التهنئة بالعيد) :
تشرع التهنئة بالعيد بداية من غروب شمس آخر يوم من شهر رمضان أي من دخول ليلة العيد .
السادسة : (في بعض الآثار الوردة عن الصحابة في صيغ التكبير) :
كان ابن عباس رضي الله عنهما يكبر:
اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا
اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا
اللَّهُ أَكْبَرُ، وَأَجَلُّ
اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
(صحيح)
[ ابن أبي شيبة (٥٦٩٢)]
═════ ❁✿❁ ══════
كان ابن مسعود رضي الله عنه يكبر:
اللَّهُ أَكْبَرُ
اللَّهُ أَكْبَرُ
اللَّهُ أَكْبَرُ
لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ
وَاللَّهُ أَكْبَرُ
اللَّهُ أَكْبَرُ
وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
(صحيح)
[(ابن أبي شيبة ٥٦٧٩) ]
═════ ❁✿❁ ══════
وعن ابن عمر رضي الله عنهما كان يكبر:
اللهُ أَكْبَرُ
اللهُ أَكْبَرُ
اللهُ أَكْبَر
لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ
لهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ
وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
(حسن)
[ الأوسط لابن المنذر (٢٢٠٢)]
═════ ❁✿❁ ══════
وعن سلمان رضي الله عنه:
الله أكبر الله أكبر
اللهم أنت أعلى وأجل من أن تكون لك صاحبة، أو يكون لك ولد.
أو يكون لك شريك في الملك
أو يكون لك ولي من الذل
وكبره تكبيرا
الله أكبر تكبيرا
اللهم اغفر لنا
اللهم ارحمنا.
(صحيح)
[ جامع معمر (٢٠٥٨١)]
═════ ❁✿❁ ══════
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يكبر:
اللَّهُ أَكْبَرُ
اللَّهُ أَكْبَرُ
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
وَاللَّهُ أَكْبَرُ
اللَّهُ أَكْبَرُ
وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
[ ابن أبي شيبة (٥٦٩٩)]
[ الأوسط لابن المنذر (٢٢٠٠)]
(ملاحظة : هذه الصيغ منقولة من تنسيق بعض الإخوة) .
═════ ❁✿❁ ══════
ملاحظتان ختاميتان :
1_ {{ جميع الأحكام السابقة يشترك فيها عيد الفطر و عيد الأضحى ، سوى حكم واحد وهو أن أيام التكبير في عيد الأضحى تبدء من اول يوم من ذي الححجة وتنتهي عند آخر أيام التشريق ، يعني أن التكبير في عيد الأضحى يدوم أربعة عشر يوما ، وأما في عيد الفطر فيمتد من ليلة العيد أي من المغرب وحتى صلاة العيد ومن أخر صلاة العيد فيبقى يكبر إلى ما قبل وقت الزوال وهو آخر وقت صلاة العيد }} .
2_ {{ أولا : هناك خلاف في شرعية التكبير المقيد ادبار الصلوات المكتوبةِ .
ثانيا : هناك اتفاق على بدعية التكبير الجماعي أدبار الصلوات المكتوبةِ .
ثالثا : لا يوجد تكبير مقيد في يوم عيد الفطر إلا بعد المغرب والعشاء والفجر على قول من يرى بداية التكبير من غروب شمس آخر يوم من رمضان ثم ينتهي التكبير جميعه مطلقه ومقيده (عند من يجيزه من غير بدعة الصوت الجماعي) بالشروع في صلاة العيد ، وأما عيد الأضحى فيستمر التكبير من اول ذي الحجة وحتى اليوم الرابع عشر منه }} .
تم المراد ، فلكم غنمه وعلي غرمه عفا الله عني ويسر أمري بمنه وكرمه سبحانه ، وجعل عملي خالصا لوجهه الكريم متابعا لهدي رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى فهم سلف الأمة الصالح أهل القرون الثلاثة المفضلة .
والله أعلى وأعلم .
و الحمد لله رب العالمين .
بدأه واتمه :
أبو عبد الله بلال يونسي السكيكدي
في ليلة يوم عيد الفطر سنة 1441 هجري
الموافق لليلة الأحد 24 ماي 2020 نصراني
مجموعة المدارسات العلمية