صورة من عجائب أهل زماننا ... من يخرجون قفة رمضان طعاما وهي ليست سنة ولا واجبة أن تخرج طعاما فيجوز إخراجها نقودا ، وقد رأيت أكثر القفف وقد تحملت في وقت مضى مسؤولية توزيعها مع بعض أهل الأفاضل فرأيت أكثرها مما لا يحتاجه الفقير في رمضان كبعض العجائن والحبوب وخاصة أن شهر رمضان يواكب الأيام الحارة والتي لا يأكل فيها الناس هذه المأكولات ، ومع ذلك لم نسمع من ينادي لدفع قفة رمضان نقودا بل بالعكس تجدهم يتبجحون هنا وهناك بمئة الف قفة وعشرة آلاف قفة في رمضان ، وأما زكاة الفطر الواجبة والتي فيها نص أنها تخرج طعاما وتلك السنة فيها ، فتجدهم يكثرون الصياح والمنشورات بأن حاجة الفقير إلى النقود أكثر من الطعام ، ونفس الشيء يتكرر مع كبش عيد الأضحى والذي قيمته قد تصل (خمسة ملايين سنتيم) وهو سنة مؤكدة وغير واجب ومع ذلك لا نجد من ينادي للتصدق بقيمته نقودا على الفقير بدل إعطائه كبشا بقيمة خمسين ألف دينار ، ونكيلكم بمكيالكم فنقول الأولى إعطاء الفقير خمسة ملايين سنتيم افضل من إعطائه كبشا بتلك القيمة لأنه أحوج للنقود وأما اللحم فكل الناس يهدونه ويتصدقون عليه باللحم في عيد الأضحى فلا حاجة لشراء كبش له وأعطوه نقودا افضل ، خاصة وأن الأضحية سنة مؤكدة على من قدر عليها فكيف بمن لم يقدر عليها .
وكما ذكر بعض الأحبة من الأئمة الخطباء أن زكاة الفطر للأسف أول من دعى إلى إخراجها هم جماعة الاقتصاد وتبعهم الاجتماعيون وحثالة المتأكلين بالدين وذلك لعلمهم أن الفقير لو أعطي طعاما فلا يصب في مصلحتهم بخلاف لو أعطي نقودا حتى يشتري ما يطرحون من سلع ومقتنيات العيد وخاصة الأقمشة ، وبذلك تذهب الحكمة من قول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم (طعمة للمساكين) لأنها صارت ألبسة ودهانات للجدران ، روى أبو داود عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: ( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرةً للصائم من اللغو والرفث وطعمةً للمساكين من أداها قبل الصلاة فهي زكاةٌ مقبولةٌ ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقةٌ من الصدقات ) (صحيح أبي داود للألباني)
وأما قفة رمضان فهي في أول الشهر وقبله وهي مساعدة لمحتكري الاقتصاد وأرباب المال أيضا من بارونات الاستيراد والاحتكار لأن تلك الفترة هي الذروة في بيع الأطعمة ، وكما يعلم خبراء التجارة أن البيع والشراء يتأثر بالمواسم عند هذا الصنف الشره ولا يهمهم حاجة الناس فهم من أكثر من يتاجر في ضمائر أهل الطمع وفي حاجات الناس الدينية والمعيشية لأجل الفلس الفاني .
ومن ذلك وجود من ينادي لإخراج الزكاة لغير المساكين ودفعها لغيرهم من المصارف الأخرى قياسا على زكاة المال وهذا ايضا لا يجوز والعبرة بالنصوص لا بمجرد الخلاف فاتقوا الله في الإسلام ، فمذهب المالكية وغيرهم وهو الراجح أن زكاة الفطر لا تصرف إلى غير المساكين والفقراء {انظر كتب المالكية مثل : (حاشية العدوي) ، (الشرح الكبير للدردير ، وحاشية الدسوقي) } .
قال الإمام سحنون بن سعيد التنوخي رحمه الله في المدونة الكبرى : ( قال مالك ولا يجزئ الرجل أن يعطي مكان الزكاة عرضا من العروض ، قال وليس كذلك أمر النبي عليه الصلاة والسلام ) ، أي لا يجوز عند الامام مالك إخراج زكاة الفطر لا نقودا ولا ألبسة ولا غير ذلك من سوى الطعام الذي يقتات به .
وقال العلامة القرافي رحمه الله في كتاب الذخيرة : ( فأشار إلى أن المقصود إنما هو غناهم عن الطلب وهم إنما يطلبون القوت فوجب أن يكون هو المعتبر ) .
قال العلامة الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار : ( قوله: (وطعمةً) بضم الطاء وهو الطعام الذي يؤكل، وفيه دليلٌ على أن الفطرة تُصرَف في المساكين دون غيرهم من مصارف الزكاة ) .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله عن زكاة الفطر في مجموع الفتاوى : ( أوجبها الله طعامًا كما أوجَب الكفَّارة طعامًا، وعلى هذا القول فلا يُجزئ إطعامها إلا لمن يستحق الكفارة، وهم الآخذون لحاجة أنفسهم فلا يعطي منها في المؤلفة ولا الرِّقاب ولا غير ذلك ) .
فما كل هذا التناقض ، أغثيتم نفوسنا بتلاعباتكم اغثى الله نفوسكم .
أبو عائشة بلال يونسي السكيكدي
مجموعة المدارسات العلمية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق