(هل حقا يستحب صيام التاسع والعاشر والحادي عشر من شهر الله المحرم؟)
كل ماورد من روايات في صيام يوم قبل ويوم بعد عاشوراء (بالجمع) ، ويوم قبل أو يوم بعد (بالتخيير) ، مختلف فيها ، والذي عليه الاكثر ضعفها .
وأصح ما في الباب حديث (لئن عشت من قابل لأصومن التاسع والعاشر) .
دليل على سنية واستحباب صيام التاسع والعاشر ، ولكن التاسع القصد منه مخالفة اليهود ، والعاشر هو المندوب إلى صيامه أصالة وأما التاسع فتبعا .
وقد علل العلماء الحث على استحباب عدم إفراد عاشوراء بصيام بتعليلين :
الأول : مخالفة اليهود الذين يفردون عاشوراء بالصيام .
الثاني : الاحتياط لموافقة يوم عاشوراء عند حصول الشك في إحصاء مبتدأ الشهر وخشيتهم من تقدم عاشوراء او تأخره خلال أيام الشهر فحينها يحث بعضهم على زيادة يوم الحادي عشر لأجل الاحتياط ، فليس هو مقصودا لذاته وكذلك التاسع ، ولذلك فالظاهر الذي اعتقده هو الاكتفاء بالصحيح الوارد في صوم التاسع مع العاشر ، وأما الحادي عشر فيزاد عند الشك في عدة الشهر وليس مطلقا فضلا عن استحبابه .
جاء في المغني لابن قدامة رحمه الله عن الإمام أحمد قوله : (من أراد أن يصوم عاشوراء صام التاسع والعاشر إلا أن تشكل الشهور فيصوم ثلاثة أيام ، ابن سيرين يقول ذلك) .
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : (ما رواه مسلم مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ. فَمَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَصُومُ الْعَاشِرَ، وَهَمَّ بِصَوْمِ التَّاسِعِ, فَمَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ, ثُمَّ مَا هَمَّ بِهِ مِنْ صَوْمِ التَّاسِعِ يَحْتَمِلُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ, بَلْ يُضِيفُهُ إِلَى الْيَوْمِ الْعَاشِرِ إِمَّا احْتِيَاطً لَهُ, وَإِمَّا مُخَالَفَةً لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى, وَهُوَ الْأَرْجَحُ, وَبِهِ يُشْعِرُ بَعْضُ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ, وَلِأَحْمَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَن ابن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ, وَخَالِفُوا الْيَهُودَ صُومُوا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ. وَهَذَا كَانَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ, وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءِ, وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ فِيمَا يُخَالِفُ فِيهِ أَهْلَ الْأَوْثَانِ, فَلَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ وَاشْتُهِرَ أَمْرُ الْإِسْلَامِ أَحَبَّ مُخَالَفَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَيْضًا, كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ, فَهَذَا مِنْ ذَلِكَ, فَوَافَقَهُمْ أَولا, وَقَالَ: نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ. ثُمَّ أَحَبَّ مُخَالَفَتَهُمْ فَأَمَرَ بِأَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ يَوْمٌ قَبْلَهُ وَيَوْمٌ بَعْدَهُ خِلَافًا لَهُم) .
وأكرر التذكير أن صيام يوم قبل عاشوراء ويوم بعدها ليس مقصودا لذاته وإنما هو معلل بالعلتين آنفتي الذكر ، ولا يجوز إلزام طلبة العلم في المسائل الخلافية ، ومن أحسن الظن بطالب علم فسأله فإنه يجيبه بما ترجح عنده واعتقده لأنه لا يجوز له التقليد لا في الدليل ولا في الدلالة إلا للضرورة بخلاف العامي الذي يفقد آلة النظر والترجيح فالأمر فيه أخف ويجوز له سؤال من يحسن به الظن ليرجح له ويقرب له المسائل .
والله أعلى وأعلم .
أبو عائشة بلال يونسي السكيكدي
مجموعة المدارسات العلمية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق